كغيري من عشاق كرة القدم المهوسين بسحرها ، أسهر الليل لمتابعة مباريات المنتخب البرازيلي و نجوم السامبا ، فإسم هذا المنتخب لوحده يبث في نفسي طاقة غريبة و شعور بالتحدي مع ساعات الصباح الأولى !
ربما هو التاريخ الزاخر بالتتويجات و الألقاب بل أكثر من ذلك هو الإمتاع الذي يشعرنا به عادة نجوم المنتخب البرازيلي بطل العالم في خمس مناسبات و صاحب لقب كوبا أمريكا في سبع مرات و أسباب أخرى عديدة تجعلني و تجعل الجميع في حالة تأهب و إستعداد لمباريات البرازيل . كيف لا و هو البرازيل الذي إعتدنا أن يكون زاخرا بنجوم سطع بريقهم في سماء الكرة الأوروبية ؟ كيف لا و هو البرازيل الذي يخشى مواجهته الجميع ؟
لكن ما إتفق عليه الجميع منذ كأس العالم الأخيرة أن منتخب البرازيلي اليوم ليس منتخب البرازيل الأمس و هنا أشير إلى أن الأمس هي الماضي المجيد للمنتخب ذو الصولات و الجولات في الملاعب العالمية و الذي لم يكن يعرف سوى الإنتصار كعنوان بارز لكل مبارياته . و في حقيقة الأمر فإن النتائج كلها تصب في خانة واحدة تفضي إلى هذا الإستنتاج المتفق عليه !
فالمنتخب البرازيلي الذي يشجعه مئات الملايين في شتى أصقاع الأرض و منذ نكسة المونديال الأخير و خروجه المبكر أمام الديوك الفرنسيين منذ الدور ربع النهائي لم يقدم آدءً يستحق الإشادة أو التنويه سوى في مشاركاته الودية و حتى مؤخراً في مبارياته التي أجراها في كوبا أمريكا و قد رافق هذه النتائج المخيبية للأمال مستوى أبهت جميع المتابعين و المحللين و الأنصار و المشجعين .. !!باستثناء مباراة تشيلي في الدور ربع النهاتي التي ظهر المنتخب البرازيلي بشكل مقبول وليس جيد .
و من سوء حظ مدرب الفريق كارلوس دونجا الفائز بلقب كأس العالم كلاعب مع المنتخب البرازيلي عام 94 ، أن جميع هذه النتائج كانت فترة توليه للإطار الفني لمنتخب بلاده إثر فضيحة كأس العالم ( على حد تعبير أنصار المنتخب البرازيليّ ) و هو ما ساهم في توتير العلاقة بينه وبين الإعلام البرازيلي الذي صب جام غضبه عليه و على إختياراته الفنية من جهة ، و بينه و بين الشعب البرازيلي و أنصار المنتخب البرازلي من جهة أخرى .
و قد كان الآداء المتواضع الذي ظهر به المنتخب البرازيلي خلال المباريات الثلاث من الدور الأول لبطولة كوبا أمريكا و التي جمعته بالمكسيك حيث إنهزم بنتيجة 2 - 0 ، و تشيلي حيث إنتصر بنتيجة 3 - 0 والإكوادور حيث كان الإنتصار صعبا و بشق الأنفس عن طريق ضربة جزاء سددها بنجاح روبينهو نجم البرازيل الأول حاليا لتنتهي المباراة بنتيجة 1 - 0 ، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة لجميع عشاق منتخب السامبا الذين عبروا عن إستيائهم و أجمعوا حول تواضع مستوى لاعبي البرازيل بل أن البعض من المحللين و المتابعين أكدوا أن المنتخب البرازيلي حاليا هو ليس سوى شبح لبرازيل " أيام زمان " على حد تعبيرهم !
و طبعا ، كعادة كل جماهير الأندية المنهزمة أو الفرق التي لا ترضي جماهيرها فإن المسؤولية الأولى و الأخيرة تحملها للمدرب الذي يصبح كالطريدة سهلة الإفتراس من قبل الأقلام الصحفية و بقية وسائل الإعلام المرئية و هو الحال الذي يعيشه كارلوس دونجا حاليا ، و من باب إعطاء كل ذي حقّ حقه ، فلا شك و لا إختلاف أن دونجا يتحمل جزءً كبيراً من مسؤولية الإخفاق من ناحية الآداء و المستوى و ذلك يعود إلى إعتماده على بعض اللاعبين الذين لا يرقون إلى إسم منتخب السامبا و بعض الخطط التكتيكية التي لا تتماشى مع الأوضاع الحالية و المجموعة المتواجدة بفنزويلا و عدم الإستقرار من الناحية التكتيكية حيث أن التشكيلة الأساسية تختلف من مباراة لأخرى مما أفرز عدم تأقلم واضح بين اللاعبين بين المباراة و الأخرى ، لكن يبدو أن جميع هؤلاء المنتقدين لدونجا نسوا أو ربما تناسوا عاملا هاما بل أعتبره الأهم في ظهور المنتخب البرازيليّ بهذه الشاكلة التي حيّرت الملايين و هو غياب نجومه البارزين !
فالتشكيلة التي يلعب بها كارلوس دونجا تفتقر إلى أولئك الذين سحروا المشاهدين بقدراتهم الفنية العالية و مهاراتهم الجذابة ، فمجموعة كبيرة من هؤلاء يتغيبون اليوم عن حامل اللقب في النسخة السابقة سنة 2004 و لعل أبرزهم كاكا نجم خط وسط ميلان الإيطالي و رونالدو مهاجم بطل أوروبا ميلان أيضاً و طبعا دون أن ننسى رونالدينهو نجم برشلونة الأول و كذلك جونينهو صاحب التسديدات الصاروخية إضافة إلى كبير المدافعين روبرتو كارلوس و القائمة هنا تطول فلست سوى بمذكر ببعض الأسماء من باب الذكر لا الحصر !
الغريب في الأمر أيضاً أن المنتقدين لدونجا أنهم مدركين تماما الإدراك بأنه في صورة كانت تشكيلة منتخب السامبا تحمل أسماء هؤلاء الذين سبق ذكرهم ستكون الحال مختلفة تماما فالمنتخب البرازيلي حاليا يفتقر لمن يصنع الفارق في كل المباريات و صار يعتمد على لاعب وحيد بالدرجة الأولى هو روبينهو صاحب الأهداف الأربعة في كوبا أمريكا إلى حد الآن ، و من جهة أخرى تناسى البعض إنتقاد كاكا و رونالدينهو و غيرهم من الذين رفضوا المشاركة بكوبا أمريكا معللين رفضهم بحاجتهم الماسة للراحة بعد موسم شاق بالنسبة لهم متغافلين عن ضرورة الدفاع عن ألوان أوطانهم !
من جهة أخرى ، قليل من الصحف العالمية أو البرازيلية التي وجهت إنتقادا لاذعا كما فعلت مع دونجا لبعض اللاعبين الذين ظهروا دون المستوى خلال المباريات الثلاثة و لعل أبرز هؤلاء هم جيلبرتو سيلفا الذي كان خارج نطاق الخدمة تماما و مينيرو المتذبذب في آدائه و بابتيستا ذو المستوى المتراجع و فاغتر لوف الذي أثار صيحات غضب الجماهير البرازيلية إضافة إلى بعض اللاعبين الآخرين الذين تم إقحامهم في بعض المباريات و لم يقدموا الإضافة المرجوة منهم !
كما أن المتابعين عن كثب للمنتخب البرازيلي سيكتشفون حتما أن المنتخب البرازيلي طوال مشاركاته السابقة لم يعتمد على لاعب فقط كما هو الحال اليوم مع روبينهو الذي سجل أهداف منتخب بلاده كلها في هذه الدورة و هو الأمر الذي يؤكد أن من يشارك في كوبا أمريكا حاليا هو برازيل روبينهو و ليس برازيل النجوم و الأساطير الكرويّة !
لست أدافع عن دونجا ، فقد سبق و أشرت إلى الأخطاء البارزة الذي يرتكبها و لا تربطني به صلة لا من قريب أو من بعيد و إنما كان يجب توضيح الصورة و الإسهام في ذلك و لو بنسبة ضئيلة فالأغلبية حسب متابعتي لأصداء كل مباراة يخوضها السامبا و ردود فعل الجماهير إتضح لي تسليط أصابع الإتهام إلى دونجا فقط متغافلين بذلك عن عدة عوامل أخرى سبق و شرحها أبرزها غياب العناصر البارزة و من جهة أخرى غياب الروح الإنتصارية و ضعف مردود بعض اللاعبين .
قبل الختام ، من الملاحظ في هذه البطولة التطور الكبير الذي شهده مستوى المنتخبات الأخرى المنافسة مما سيساهم في إشتداد حرارة الصراع من أجل اللقب و بالرغم من الحالة الصعبة التي يمر بها المنتخب البرازيلي فإن حظوظه تبقى واردة دائما إضافة إلى منتخب الأرجنتين المرشح الأول لرفع لقب البطولة حسب تصريحات سابقة لدونجا نفسه و المنتخب المكسيكي الذي ظهر بوجه مخالف تماما لما كانت عليه العادة و هذا الإرتفاع في مستوى الفرق المشاركة بهذه النسخة أضاف نكهة و رونقا خاصا لفنزويلا 2007 ..
آخر القول ، إن تحمل مسؤولية الإخفاق يكون من جميع الأطراف و بما في ذلك اللاعبون و الإطار الفني و الإتحاد البرازيلي لكرة القدم أيضاً فلا تقسوا على دونجا وحده أيها البرازيليين