قصة اشهر رواية محرمة فى مصر.
حكاية "اولاد حارتنا" هى حكايتنا مع السلطة.
السلطة الدينية.
والسياسية.
مندوب الرئيس.. ومندوب الاخوان بين مشايخ الازهر.
اتفقت سلطة جنرالات يوليو واتباع الشيخ حسن البنا على منع الرواية.
من 1959 و حتى الان مازالت "اولاد حارتنا ".. محرمة.
هى اشهر روايات نجيب محفوظ.. ورمز معركة ثقافية وسياسية واجتماعية تتخذ كل فترة شكلا جديدا ومثيرا لقاذفات صورايخ التحريم والتكفير والقتل المعنوى..وفى المقابل منصات الدفاع عن حرية الابداع والتعبير والتفكير فى كل شىء بدون خطوط حمراء.
الرواية اصبحت رمزا مجردا..مثل التفاحة المحرمة فى حكاية ادم وحواء.. ممنوعة ومصادرة بدون قراءة.. والمدهش انها ليست ممنوعة فى الواقع.. بل هى موجودة على الارصفة وبسعر بسيط (20 او 25 جنيها)..لكنها مثل التفاحة يبدو الاقتراب منها خطر يهدد بالخروج من الجنة و بداية رحلة العذاب.
فمن يقراها و يريد ان يستمر كمؤمن بالحدود التى يضعها كهنة الدين والسياسة.. سيلعنها.
ومن يريد التمرد.. واعلان العصيان ضد كل سلطة ستكون "اولاد حارتنا" تفاحته التى اختطفها من الشجرة المعرفة ليبدأ رحلة معرفة خاصة بعيدا عن اوامر السلطة.
1
نجيب محفوظ كتب "اولاد حارتنا " بعد 5 سنوات من التوقف.
هى اول رواية يكتبها بعد ثورة يوليو.
انتهى من كتابة الثلاثية فى 1952 ولم يجد ما يكتبه بعد ان تحقق التغيير الذى كان يسعى اليه من خلال نقد المجتمع المصرى فى رواياته.
بعد اربع سنوات فى كتابة الثلاثية.. وغروب نظام الملك و شروق امل جديد بوصول موديل الضباط الاحرار الى السلطة.. سأل نجيب محفوظ نفسه: ماجدوى الكتابة الان؟!
تزوج سنة 1954 وبحث عن مهنة تدر اموال اكثر.. سجل اسمه فى قوائم كتاب السيناريو بنقابة السينمائيين.. وظن انه انتهى كروائى.
لكن فى 1957 شعر نجيب محفوظ بدبيب غريب يسرى فى اوصاله (كان نظام الجنرالات فى عز سطوة فكرة المستبد العادل والديكتاتور المخلص العارف بكل شىء.. وهو ما فجر اسئلة كثيرة فى اوساط الثقافة والسياسة).. وكما حكى محفوظ لرجاء النقاش:"وجدت نفسى منجذبا مرة اخرى نحو الادب. وكانت فرحتى غامرة عندما امسكت بالقلم مرة اخرى، ولم اصدق نفسى عندما جلست امام الورق من جديد لاعاود الكتابة. وكانت كل الافكار المسيطرة على فى ذلك الوقت تميل ناحية الدين والتصوف والفلسفة.فجاءت فكرة رواية "اولاد حارتنا" لتحي فى داخلى الاديب الذى كنت ظننته قد مات.. ولذلك لاحظ النقاد تغييرا فى اسلوبى واتجاهاتى الادبية وهم يقارنون رواية "اولاد حارتنا" بما سبقها من اعمال.. فهى لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت فى اعمالى قبلها.. بل هى اقرب الى النظرة الكونيةالانسانية العامة.. ومع ذلك فرواية "اولاد حارتنا" لا تخلو من خلفية اجتماعية واضحة.. لكن المشكلات التى صاحبتها والتفسيرات التى اعطيت لها جعلت كثيرين لا يلتفتون الى هذه الخلفيات".
"اولاد حارتنا" كانت اول اسئلة نجيب محفوظ على انبياء الثورة.. محاولة لاستخدام تاريخ البشرية من الحكايات الكبيرة (عن الانبياء وغيرهم) فى فهم مايحدث فى مصر. .ابطال هذه الحكايات (بعيدا عن رسالتهم الدينية).. هم من وجهة نظرمجردة.. سعاة الى الحق والخير والعدل.. كل بطريقته وحسب زمنه وتبعا لتكوينه الشخصى. حكاية كل بطل تكشف عن جانب من تاريخ الحارة التى يمكن ان تعتبرها الكون.. او مصر.. لكنهم مثل شخصيات فى درس فلسفى يشرح كل منهم جانبا من جوانب مشكلة الانسان فى الحياة.
وهذا سر جاذبية الحكايات الكبيرة لروائى مغرم بفهم قوانين المجتمع المصرى.. وكما قال مرةفى أحد حواراته أن:"المقصود من الرواية هي تصور ماذا سيفعل الأنبياء لو نزلوا حارتنا.. من هنا بدأت كتابة روايتي الكبيرة "أولاد حارتنا".. وهي التي تصور الصراع بين الأنبياء والفتوات.. كنت اسأل رجال الثورة هل تريدون السير في طريق الأنبياء أم الفتوات؟ فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعى الذي كان قائما".
هذا الفهم اكبر و اكثر قيمة من البحث عن تفسير لرموز الرواية على طريقة فوازير رمضان.
اعتبار ان الجبلاوى الساكن فى البيت الكبير والذى لا يراه احد من سكان الحارة هو الله.
وادهم هو ادم.
وجبل هو موسى .
وقاسم هو النبى محمد .
ربما يكون صحيحا ان كل شخصية فى الرواية تستوحى تفاصيل من حياة وتركيبة كل نبى .
لكنها ليست رواية عن الانبياء .
هى رواية عن ابطال يعيشون فى خيالنا. ابطال تروى قصصهم علينا و نحن اطفال. يتحولون الى اساطير تصارع شياطين الظلم والفساد والشر.
ويمكن لروائى مثل نجيب محفوظ (مغرم بالفلسفة وطريقتها فى النظر الى العالم بل انه فكر فى اول ايامه بعد التخرج فى تكملة حياته فى دراسة الفلسفة) ان يتخذ من قصص الانبياء وغيرهم من ابطال خيالنا مسرحا لمناقشة فكرة بسيطة الى متى يتحمل الناس فى الحارة البغى والظلم.
والاهم من فكرة الاستفادة من قصص الانبياء هو انحياز نجيب محفوظ الى "عرفة" (والاسم كما يبدو مستلهم من فكرة المعرفة).. وهو فى الرواية رمز العلم.. الذي كانت الفلسفات الحديثة تقدمه في الخمسينات على أنه "الدين الجديد".. وهو يتصارع حسب خريطة الرموز مع الأبطال الآخرين.. وهذا ما يجعل محفوظ وهو ينحاز إليه يضيف إلى قدراته ميزة أخرى وهو الجمع بين العلم والإيمان.. وبين التعرف على العلم الحديث والمعرفة بخبرات العطار القديم.. "عرفة" حسب بناء الرواية كان أقرب "أنبياء حارتنا"الى نجيب محفوظ.
هذا ما يمكن ان نناقش فيه نجيب محفوظ.
نناقشه لا ان نكفره.
او نشتمه باعتباره مؤلف رواية ملحدة.
كما يحدث من 35 سنة وحتى الان.
2
الرواية ممنوعة من النشر فى مصر رغم انها نشرت على حلقات فى الاهرام بين 1959و1960.
(عصر محمد حسنين هيكل الذى كان قادرا على حمايتها ومواجهة هجمة تتار المنع و التحريم.. هذا بشكل شخصى وباستخدام نفوذه القريب من السلطة.. وهو نفوذ لم يقم قواعد تحمى الروايات والادب من سلطان المنع والتحريم).
وماحدث يشير الى عيب اساسى فى السلطة الحاكمة.
ورثته سلطة يوليو من ملوك كانوا يسعون الى شرعية دينية تسند شرعيتهم السياسية.
ظل الحاكم بعد الثورة وبعد ان اصبح رئيسا من المفروض ان يستمد شرعيته من الشعب لا من حق الهى خالد كما كان يظن الملوك.
الرئيس كان يسعى الى رضا وبركة المشايخ باعتبارهم ممثلين لشرعية دينية.
ومن هنا ظهر مشايخ يصنعون لهم سلطة يبتزون بها الحاكم ويهددونه بسحب الشرعية الدينية منه اذا لم يحكم على هواهم.
ومشايخ موظفين فى خدمة السلطة تخرجهم فى اللحظة المناسبة ليبرروا كل ما تفعله باستخدام ايات القران او الاحاديث النبوية.
وهذا فخ سقطت ضحيته "اولاد حارتنا".
يحكى نجيب محفوظ فى كتاب رجاء النقاش:".. مرت الحلقات الأولى دون أن تظهر أي ملاحظات عليها، فالجزء الأول من الرواية لا يسبب أية مشاكل.. ولكن الأزمة بدأت بعد أن نشرت الصفحة الأدبية بجريدة "الجمهورية" خبرا يلفت فيه النظر إلى أن الرواية المسلسلة التي تنشرها جريدة الأهرام فيها تعريض بالأنبياء.. وبعد هذا الخبر المثير، بدأ البعض، ومن بينهم أدباء للأسف، في إرسال عرائض وشكاوى يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمي إلى المحاكمة، و بدأ هؤلاء يحرضون الأزهر ضدي على أساس أن الرواية تتضمن كفرا صريحا، وأن الشخصيات الموجودة في الرواية ترمز إلى الأنبياء.. وقد عرفت هذه المعلومات عن طريق صديق لي هو الأستاذ مصطفى حبيب الذي كان يعمل سكرتيرا لشيخ الأزهر، وكان شقيقه يعمل وكيل نيابة، وهو الذي أخبرني أن أغلب العرائض التي وصلت إلى النيابة العامة أرسلها
أدباء".
وربما لم يكن محفوظ يعلم أن التقرير الذي أوصى بمصادرة الرواية ووقف نشرها على حلقات كتبته لجنة من الأزهر تتكون من الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ أحمد الشرباصى.. وهم جميعا أسماء روجت إعلاميا في الثمانينات بعد ذلك على أنها من التيار "المعتدل".
لكن "المعتدل" كان وراء الفتوى القاتلة فى الثمانينات.
تقرير الغزالى ايام عبد الناصر كانت وقود التطرف عندما اشارت لجنة جائزة نوبل الى "اولاد حارتنا" فى حيثيات منح الجائزة لنجيب محفوظ باعتبارها من اعماله الكبيرة.
الجائزة اعادت الرواية الى مرمى الاحداث.. واستخدمت من جديد فى حرب التطرف على المجتمعات الحديثة.
وعندما سألت صحيفة "الانباء" الكويتية الشيخ عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية عن رواية ايات شيطانية للكاتب الهندى سلمانرشدى.. قال الشيخ بشراسة باردة:"لو أن الحكم بالقتل نفذ في نجيب محفوظ حين كتب لكان ذلك بمثابة درس بليغ لسلمان رشدي".
واصبح التصريح العابر فتوى حملها شاب لا يعرف اكثر من مناهج ثالثة اعدادى فى اليد التى حمل بها سكينا غليظة ليذبح صاحب "اولاد حارتنا" فى ظهيرة غائمة من شتاء 1994.
3
نجيب محفوظ أثار دهشة كبيرة بعد النجاة من الاغتيال.
رفض نشر "اولاد حارتنا" بعد ان شجعت خلقت حالة التعاطف الإنساني معه والمناخ السياسي الذي سمح بنشر الرواية المحرمة تحدياً لتيار الإرهاب الأصولي.. وبالفعل بدأت "حرب تجارية" لنشر "أولاد حارتنا" بين صحف حكومية "أخبار اليوم" و"المساء" وأخرى يسارية"الأهالي" (نشرتها فى طبعة خاصة بحجم التابلويد).. لكن كل هذا توقف حين أعلن محفوظ استياءه من نشر الرواية بدون إذنه.. وأنه"لن ينشرها إلا بعد موافقة الأزهر"(وهذا ليس من حقه لانه يعطى سلطة لمؤسسة تنتظر فرصة لممارسة سطوة على الادب).
نجيب محفوظ متسق تماما مع تركيبته الشخصية التي تجعله يتحسس رقبته كلما مرت سيرة "أولاد حارتنا".
هذا رغم أنه ليس هناك قراراَ رسمياَ ولا دينيا بمنع الرواية.
وأن المنع تم بعد الإتفاق غير المكتوب بين محفوظ وحسن صبري الخولي الذي يصفه محفوظ في حوار مع الباحثة السويدية ماريناستاغ بأنه(مندوب الرئيس عبد الناصر والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية)وهو على وجه الدقة الرقيب العام بحكم منصبه كرئيس لهيئة الإستعلامات وقتها.. ومن هذا الموقع قال: "من الصعب السماح بطبع هذه الرواية لأنها سوف تثير ضجة كبيرة ونحن لا نريد ذلك، ولكن يمكنك طباعتها في الخارج).
هكذا اكتملت الدائرة: مندوب الرئيس يخاف من غضب المتعصبين.
ومندوب الاخوان فى الازهر يصدر تقريرا ضد الرواية.
والنتيجة: منعت الرواية من النشر فى القاهرة .فى الوقت الذى صدرت منها اكثر من 20 طبعة فى بيروت.
وتوجد نسخة كاملة منها على شبكة الانترنت.
اى انها ليست ممنوعة بالمعنى الكامل.
لكنها رمز لسلطة (سياسية ودينية) تستطيع تحويل اى رواية او سينما.. الى تفاحة على شجرة المعرفة المحرمة.
منع اولاد حارتنا ..ليس الا اعلان وجود سلطة تملك حق منع المعرفة.
شخص يصدر حكما باعدام فكرة او خيال.
4
تعود "اولاد حارتنا" من جديد فى الحرب الدائرة الان على سلطة المنع والتحريم.
الاخوان خرجوا من قمقم المعارضة السرية.. ويريدون ارسال رسائل الى فئات المجتمع المترقب لنتيجة وجودهم العلنى فى السلطة التشريعية.
احد هذه الرسائل كانت تخص "اولاد حارتنا".
الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح الرجل القوى فى مكتب الارشاد زار نجيب محفوظ بمناسبة عيد ميلاده الـ 94.. وقال انه لا يعترض على الرواية.. بل ويشجع محفوظ على نشرها.
زيارة ابو الفتوح اقامت عليه الدنيا ولم يقعدها.
وفتحت من جديد ملف الرواية المحرمة.
ورغم ان الدكتور ابو الفتوح قال ان كلامه هو كلام 90 % من الاخوان ..ظهر ان الحملة الشرسة.. عبرت عن تيار قوى مازال يرى ان اولاد حارتنا رواية كافرة و ملحدة و كاتبها يستحق القتل.
وامام هذا العاصفة نشر الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح على موقع الاخوان الالكترونى (فيما يبدو رسالة موجهة لجمهور معين).. تصحيح لخبر الزيارة قال فيه:"انه لا يتفق او يوافق على بعض ما ورد فى رواية اولاد حارتنا".
حدث هذا بينما اعاد نجيب محفوظ على ناشره الجديد (دار الشروق) الشرطين الذين سيوافق بعدهما على نشر الرواية فى مصر الاول هو موافقة الازهر .
والثانى ان يكتب الدكتور احمد كمال ابو المجد مقدمة تسبق الرواية.. والدكتور ابو المجد هو صورة جديدة للاسلامى المعتدل.. وكان محفوظ يضع معه فى القائمة خالد محمد خالد والشيخ محمد الغزالى و يبدو من الاسماء ان نجيب كان يريد اان يحصل على شرعية ما من مفكرين لهم مصداقية عند جمهور الثقافة الاسلامية وفى نفس الوقت هم من البعيدين عن النظرة المتطرفة لموقع الدين فى المجتمعات الحديثة.
الدكتور كمال ابو المجد وافق.
وبقت موافقة الازهر (و"اولاد حارتنا" هنا حالة خاصة لانه من المفروض الا يكون هناك سلطة للازهر على الاعمال الادبية).
لكن مشروع اخر دخل على الخط و حرك فكرة النشر من جديد.
المشروع كانت بدايته اعلان فى مجلة "الهلال" عن العدد الجديد من سلسلة روايات الهلال فى منتصف يناير مع اشارة مثيرة تقولمفاجأة كبرى.. أهم حدث أدبي فى العام الجديد).
مجدى الدقاق رئيس تحرير "الهلال" كشف المفاجاة فى برنامج تليفزيونى وكان هذا كفيلا بتحرك محامى نجيب محفوظ و محامى دار الشروق للمطالبة بوقف النشر.
المفارقة ان الرواية طبعت بالفعل فى مطابع "الهلال" (كاملة لاول مرة لانها نُسخت من طبعة الاهرام الاولى وليس من طبعة دار الاداب التى حذفت منها فقرات.. كما كان من المفترض ان تصحبها لوحات الفنان الحسين فوزى المصاحبة للحلقات المسلسلة فى الاهرام ).
رفض مجدى الدقاق الحصول على موافقة الازهر ..لانه كما قال لـ"اخبار الادب": "أرفض أن آخذ موافقة أى جهة. الإبداع لا يتطلب موافقات سياسية أو دينية أو حزبية " (وهو كلام نتفق معه و نحترمه بعيدا عن فكرة الحق القانونى).
و والغريب انه انتشر فى الاوساط الثقافية تفسير قوى بان هناك ضوء اخضر من الرئاسة لطبع الرواية و ضمان سكوت الازهر.. وذلك لمواجهة الاخوان او احراجهم.
اى اننا نعود مرة اخرى لمندوب الرئيس.
ومندوب الاخوان.
سلطة فرض معرفة ناقصة.ومحاربة الخال المتمرد على الخطوط الحمراء.
كلاهما (السلطة السياسية والدينية) اما ان يتفقان او يتصارعان او يقيمان اتفاقا على حرية المعرفة والابداع.
وكلاهما يريدان فى الحقيقة خلق شعب من قطيع لا يعرف.. ولا يفكر.
ببساطة لان الشعب الجاهل اسلس فى القيادة.
مطيع.
ولا يخرج عن الطاعة.
5
المرعب طبعا ان الفاشية انتقلت من السلطة الى المجتمع.
و هستيريا المصادرة اصابت المجتمع الذى اصبح من طوال الكبت اكثر تخلفا من السلطة.
ثقافة القطيع المطيع افرزت شرائح كاملة فخورة بالجهل.
لم تقرا الرواية و سارت على احكام جاهزة بالسمع.
الاحكام تنتقل عبر شبكات الفاشية والجهل.. تتوارثها اجيال تعيش فى نعيم التخلف. والاحساس بان رفض رواية يقوى ايمانها.
هذا ما يمكن ان تفهمه من حوارات على الانترنت صوبت رشاشات شتائم اليه لنجيب محفوظ و روايته بدون تفكير.
وبوعى مزيف يرى شتيمة الرواية و صاحبها من ضرورات الاسلام.
6
ننشر اليوم فصل من الرواية.
اخطر فصل.
المتعلق بشخصية قاسم الذى يمكن ان ترى فيه النبى محمد حسب الخريطة التى تحاول حل فوازير الرواية.
والحقيقة اننا لا نريد فقط كسر التابو.. ونشر رواية محرمة. او حتى التأكيد على انه لا يمكن منع عمل ادبى وفنى للابد (فكتب مثل "الشعر الجاهلى" و"الاسلام و اصول الحكم".. و"فقه اللغة" كانت مصادرة وممنوعة فى زمن.. وهى الان حرة بينما ذهب الهة التحريم الى متحف الكائنات المنقرضة). وهذا درس يمكن ان نتعلمه من التاريخ.
لكننا فى الحقيقة نريد من النشر.. كسر اسوار الصمت عن رواية نتمنى ان تعاد قراءتها فى سياق مختلف عن حرب التحريم والتكفير.
كيف يمكن قراءة عمل ادبى يحتمل اكثر من تاويل ويحمل رؤؤية كاتبه المتحررة من القيود المعتادة.
كيف يمكن تامل الرواية بدون هواجس الكفر والالحاد.
هذه تجربة مهمة نرجو ان يكون الفصل المنشور اول الطريق اليها.
تجربة للخروج من حالة الجهل الجماعى.
وثقافة القطيع.
تجربة فى خدش السلطة المتحكمة فى المعرفة.
7
قرات اولاد حارتنا من فترة طويلة.
لم اشعر بالخوف.. ولا برهبة رواية منفلتة. متمردة على كل الثقافة السائدة.
رايت حرية كاتب فى تامل خاص للقصص المتحكمة فى خيالنا.
قصص و اساطير عن انبياء وابطال.
رايت فيها محاولة التامل الفلسفى. والرغبة فى الوصول الى الحقيقة والحكمة.
وكانت بالنسبة لى رواية ثقيلة.
ليست فى خفة روايات اخرى احبها اكثر لنجيب محفوظ من "المرايا" و"افراح القبة " و"ميرامار " و"الحرافيش" و"الثلاثية".. وغيرها.
لكنها رواية هامة فتحت طرق و مهدت ارض.. وكسرت تابوهات ثقيلة.. هذه متعتها التى نحرم منها.
واستطيع ان اقول الان بان اولاد حارتنا ليست افضل روايات نجيب محفوظ بالنسبة لى.
لكنى ساظل ادافع عن حقها فى الخروج من اسوار المحرمات.
ضد كل سلطة تحرم شجرة المعرفة.
وتمنعنا من متعة قطف التفاحة.. وخاصة التفاحة المحرمة .